بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين .
روى الشيخ الصدوق بسنده عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله خطبنا ذات يوم فقال :
( أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور ، وأيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات ، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب .
فسلوا الله ربكم بنيات صادقة ، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه ، وتلاوة كتابه ، فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ، واذكروا بجوعكم و عطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه ، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم ، وارحموا صغاركم ، وصلوا أرحامكم ، واحفظوا ألسنتكم ، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم ، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم ، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم .
وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم ، فإنها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده ، يجيبهم إذا ناجوه ، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه .
أيها الناس إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم ، وظهور كم ثقيلة من أوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم ، واعلموا أن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين ، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين .
أيها الناس من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ، ومغفرة لما مضى من ذنوبه ،
قيل : يا رسول الله ! وليس كلنا يقدر على ذلك ،
فقال عليه السلام : اتقوا النار ولو بشق تمرة ، اتقوا النار ، ولو بشربة من ماء .
أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازا على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه ، خفف الله عليه حسابه ، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ، ومن أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه ، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار ، ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ، ومن أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين ومن تلافيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور .
أيها الناس ! إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة ، فسلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم ، وأبواب النيران مغلقة فسلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم ، والشياطين مغلولة فسلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : فقمت فقلت : يا رسول الله ! ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال : يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل . ثم بكى فقلت : يا رسول الله ! ما يبكيك ؟ فقال : يا على أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر ، كأني بك وأنت تصلي لربك ، وقد انبعث أشقى الأولين شقيق عاقر ناقة ثمود ، فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : فقلت : يا رسول الله ، وذلك في سلامة من ديني ؟
فقال عليه السلام : في سلامة من دينك ثم قال : يا علي من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبك فقد سبني لأنك مني كنفسي ، روحك من روحي ، و طينتك من طينتي ، إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفاني وإياك ، و اختارني للنبوة ، واختارك للإمامة ، ومن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي .
يا على أنت وصيي ، وأبو ولدي ، وزوج ابنتي ، وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي : أمرك أمري ، ونهيك نهيي ، اقسم بالذي بعثني بالنبوة ، وجعلني خير البرية ، إنك لحجة الله على خلقه ، وأمينه على سره ، وخليفته على عباده(1)
هذه الخطبة رواها الشيخ الصدوق في كتبه الثلاثة : عيون أخبار الرضا والأمالي وفضائل الأشهر الثلاثة – واللفظ للأول – ونقلها عنه العلامة المجلسي في البحار والحر العاملي في الوسائل وغيرهما :
قوله صلى الله عليه وآله ( أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة )
شهر رمضان شهر الله أضيف إلى المولى سبحانه من باب التشريف والتعظيم فكل شيء يضاف إلى الله وينسب إليه فيزداد شرفاً وعزاً زمانا كان أو مكاناً أوعيناً من البشر أو من غيره .
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي : والبركة : الزيادة والنماء . والتبريك : الدعاء بالبركة . والمباركة : مصدر بورك فيه ، وتبارك الله : تمجيد وتجليل . والبركان ، والواحدة بركانة : من دق الشجر . وسميت الشاة الحلوب بركة . وفي الحديث : " من كان عنده شاة كانت بركة ، والشاتان بركتان " (2)] .
فالبركة هي الزيادة والمضاعفة والكثرة سواء كان في المادي أو المعنوي ، وفي مقابلها ( المحق ) وهو النقص والقلة والخسارة وذهاب البركة ولذلك قال الشيخ محمد صالح المازندراني في شرح الحديث :
( والبركة وضدها المحق ) البركة النماء والزيادة ويحتمل أن يراد بها الدوام والثبات من برك البعير إذا استناخ ولزم وثبت في موضع واحد ، والمحق النقصان وذهاب البركة ، وقيل : هو أن يذهب الشيء كله حتى لا يرى منه أثر ، ومنه * ( يمحق الله الربا ) * أي يستأصله ويذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه ولعل المقصود أن الزيادة في فعل الخيرات والمبالغة في المبرات والثبات والدوام عليها من صفات العقل وكمال العقلاء كما روي " من استوى يوماه فهو مغبون " (3) وروي أيضا " ما من شيء أحب إلى الله عز وجل من عمل يداوم عليه وإن قل " (4)والنقصان في العمل أو عدم الدوام والثبات عليه من صفات الجاهل لجهله بمنافع العمل وغفلته عن جزيل الثواب ونسيانه حظه ونصيبه في يوم الحساب ، وقيل : المراد أن العاقل يحصل المال من الوجه الذي يصلح له ويصرف فيما ينبغي الصرف فيه فينمو ويزيد ويبقى ويدوم له ، والجاهل يحصل من غير وجهه ويصرف في غير المصرف فيبطل ماله ويذهب بركته .
وقيل : المراد أن البركة من صفات العقل لارتفاعه عن العالم التغير والآفة والدثور والنقص من صفات الجهل لتعلقه بعالم الفساد والزوال والشرور (5).
والبركة هي الخير والسعادة فلا يمكن أن يسعد إذا لم يكن هناك بركة . وليست البركة كما يتصور الكثير من الناس بل أكثرهم يظن أنها مختصة بالجانب المادي وإذا لم يتحصل عليه فلا بركة وهذا خطأ فادح , بل الأمر بالعكس أن البركة محتاج إليها الإنسان في الجانب المعنوي أكثر منه في الجانب المادي ولذلك هذا الشهر وصف بالمبارك فتباركت جميع الأعمال الصالحة وتضاعفت من الفرائض والمستحبات ومن قراءة القرآن والصلاة والصيام والدعاء والمناجاة وغيرها .
والبركة وإن فسرت بالزيادة إلا أنه يوجد هناك فارق بينهما لذلك قال أبو هلال العسكري .
البركة : هي الزيادة والنماء من حيث لا يوجد بالحس ظاهرا ، فإذا عهد من الشيء هذا المعنى خافيا عن الحس ، قيل هذه بركة قيل : اشتقاقها من البروك ، وهو اللزوم والثبوت ، لثبوتها في الشيء . ويوصف بها كل شيء لزمه وثبت فيه خير إلهي . وليس لضدها اسم معروف ، فلذلك يقال فيه : قليل البركة ، ولا يسند فعل البركة إلا إلى الله ، فلا يقال : بارك زيد في الشيء ، وإنما يقال : بارك الله فيه . وإلى هذه الزيادة أشير بما روي أنه : لا ينقص مال من صدقة ، لا إلى النقصان المحسوس .
فإذن كل بركة زيادة ، وليس كل زيادة بركة (6)إذن فالبركة أقرب ما تكون إلى الأمر غير المحسوس والجانب المعنوي .
الرحمة لها معنيان :
1-الرقة وتكون بين الناس وقد ركز الله في طباعهم هذه الحالة فإذا كان الإنسان سليماً وعلى فطرته الأولية ولم تلوث بأمر عرضية فلابد أن تحصل هذه الرقة عنده للآخرين وعلى الأقل للمقربين إليه وأما إذا تلوثت الفطرة فسوف يتحول إلى حيوان مفترس ربما يأكل أقرب المقربين إليه فضلاً عن البعيدين منه .
2- الإحسان وهو مختص بالله سبحانه على نحو الحقيقة وإذا وصف به أحد غيره فمن باب المجاز كما يقال لمن يعمل معروفاً أحسنت .
قال الراغب : والرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة نحو : رحم الله فلاناً ، وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة , وعلى هذا روي أن الرحمة من الله إنعام وإفضال ، ومن الآدميين رقة وتعطف . (7)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين .
روى الشيخ الصدوق بسنده عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله خطبنا ذات يوم فقال :
( أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور ، وأيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات ، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب .
فسلوا الله ربكم بنيات صادقة ، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه ، وتلاوة كتابه ، فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ، واذكروا بجوعكم و عطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه ، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم ، وارحموا صغاركم ، وصلوا أرحامكم ، واحفظوا ألسنتكم ، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم ، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم ، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم .
وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم ، فإنها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده ، يجيبهم إذا ناجوه ، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه .
أيها الناس إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم ، وظهور كم ثقيلة من أوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم ، واعلموا أن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين ، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين .
أيها الناس من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ، ومغفرة لما مضى من ذنوبه ،
قيل : يا رسول الله ! وليس كلنا يقدر على ذلك ،
فقال عليه السلام : اتقوا النار ولو بشق تمرة ، اتقوا النار ، ولو بشربة من ماء .
أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازا على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه ، خفف الله عليه حسابه ، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ، ومن أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه ، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار ، ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ، ومن أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين ومن تلافيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور .
أيها الناس ! إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة ، فسلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم ، وأبواب النيران مغلقة فسلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم ، والشياطين مغلولة فسلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : فقمت فقلت : يا رسول الله ! ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال : يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل . ثم بكى فقلت : يا رسول الله ! ما يبكيك ؟ فقال : يا على أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر ، كأني بك وأنت تصلي لربك ، وقد انبعث أشقى الأولين شقيق عاقر ناقة ثمود ، فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : فقلت : يا رسول الله ، وذلك في سلامة من ديني ؟
فقال عليه السلام : في سلامة من دينك ثم قال : يا علي من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبك فقد سبني لأنك مني كنفسي ، روحك من روحي ، و طينتك من طينتي ، إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفاني وإياك ، و اختارني للنبوة ، واختارك للإمامة ، ومن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي .
يا على أنت وصيي ، وأبو ولدي ، وزوج ابنتي ، وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي : أمرك أمري ، ونهيك نهيي ، اقسم بالذي بعثني بالنبوة ، وجعلني خير البرية ، إنك لحجة الله على خلقه ، وأمينه على سره ، وخليفته على عباده(1)
الشرح
هذه الخطبة رواها الشيخ الصدوق في كتبه الثلاثة : عيون أخبار الرضا والأمالي وفضائل الأشهر الثلاثة – واللفظ للأول – ونقلها عنه العلامة المجلسي في البحار والحر العاملي في الوسائل وغيرهما :
قوله صلى الله عليه وآله ( أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة )
شهر رمضان شهر الله أضيف إلى المولى سبحانه من باب التشريف والتعظيم فكل شيء يضاف إلى الله وينسب إليه فيزداد شرفاً وعزاً زمانا كان أو مكاناً أوعيناً من البشر أو من غيره .
البركة في اللغة
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي : والبركة : الزيادة والنماء . والتبريك : الدعاء بالبركة . والمباركة : مصدر بورك فيه ، وتبارك الله : تمجيد وتجليل . والبركان ، والواحدة بركانة : من دق الشجر . وسميت الشاة الحلوب بركة . وفي الحديث : " من كان عنده شاة كانت بركة ، والشاتان بركتان " (2)] .
فالبركة هي الزيادة والمضاعفة والكثرة سواء كان في المادي أو المعنوي ، وفي مقابلها ( المحق ) وهو النقص والقلة والخسارة وذهاب البركة ولذلك قال الشيخ محمد صالح المازندراني في شرح الحديث :
( والبركة وضدها المحق ) البركة النماء والزيادة ويحتمل أن يراد بها الدوام والثبات من برك البعير إذا استناخ ولزم وثبت في موضع واحد ، والمحق النقصان وذهاب البركة ، وقيل : هو أن يذهب الشيء كله حتى لا يرى منه أثر ، ومنه * ( يمحق الله الربا ) * أي يستأصله ويذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه ولعل المقصود أن الزيادة في فعل الخيرات والمبالغة في المبرات والثبات والدوام عليها من صفات العقل وكمال العقلاء كما روي " من استوى يوماه فهو مغبون " (3) وروي أيضا " ما من شيء أحب إلى الله عز وجل من عمل يداوم عليه وإن قل " (4)والنقصان في العمل أو عدم الدوام والثبات عليه من صفات الجاهل لجهله بمنافع العمل وغفلته عن جزيل الثواب ونسيانه حظه ونصيبه في يوم الحساب ، وقيل : المراد أن العاقل يحصل المال من الوجه الذي يصلح له ويصرف فيما ينبغي الصرف فيه فينمو ويزيد ويبقى ويدوم له ، والجاهل يحصل من غير وجهه ويصرف في غير المصرف فيبطل ماله ويذهب بركته .
وقيل : المراد أن البركة من صفات العقل لارتفاعه عن العالم التغير والآفة والدثور والنقص من صفات الجهل لتعلقه بعالم الفساد والزوال والشرور (5).
والبركة هي الخير والسعادة فلا يمكن أن يسعد إذا لم يكن هناك بركة . وليست البركة كما يتصور الكثير من الناس بل أكثرهم يظن أنها مختصة بالجانب المادي وإذا لم يتحصل عليه فلا بركة وهذا خطأ فادح , بل الأمر بالعكس أن البركة محتاج إليها الإنسان في الجانب المعنوي أكثر منه في الجانب المادي ولذلك هذا الشهر وصف بالمبارك فتباركت جميع الأعمال الصالحة وتضاعفت من الفرائض والمستحبات ومن قراءة القرآن والصلاة والصيام والدعاء والمناجاة وغيرها .
والبركة وإن فسرت بالزيادة إلا أنه يوجد هناك فارق بينهما لذلك قال أبو هلال العسكري .
الفرق بين البركة والزيادة
البركة : هي الزيادة والنماء من حيث لا يوجد بالحس ظاهرا ، فإذا عهد من الشيء هذا المعنى خافيا عن الحس ، قيل هذه بركة قيل : اشتقاقها من البروك ، وهو اللزوم والثبوت ، لثبوتها في الشيء . ويوصف بها كل شيء لزمه وثبت فيه خير إلهي . وليس لضدها اسم معروف ، فلذلك يقال فيه : قليل البركة ، ولا يسند فعل البركة إلا إلى الله ، فلا يقال : بارك زيد في الشيء ، وإنما يقال : بارك الله فيه . وإلى هذه الزيادة أشير بما روي أنه : لا ينقص مال من صدقة ، لا إلى النقصان المحسوس .
فإذن كل بركة زيادة ، وليس كل زيادة بركة (6)إذن فالبركة أقرب ما تكون إلى الأمر غير المحسوس والجانب المعنوي .
الرحمة
الرحمة لها معنيان :
1-الرقة وتكون بين الناس وقد ركز الله في طباعهم هذه الحالة فإذا كان الإنسان سليماً وعلى فطرته الأولية ولم تلوث بأمر عرضية فلابد أن تحصل هذه الرقة عنده للآخرين وعلى الأقل للمقربين إليه وأما إذا تلوثت الفطرة فسوف يتحول إلى حيوان مفترس ربما يأكل أقرب المقربين إليه فضلاً عن البعيدين منه .
2- الإحسان وهو مختص بالله سبحانه على نحو الحقيقة وإذا وصف به أحد غيره فمن باب المجاز كما يقال لمن يعمل معروفاً أحسنت .
قال الراغب : والرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة نحو : رحم الله فلاناً ، وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة , وعلى هذا روي أن الرحمة من الله إنعام وإفضال ، ومن الآدميين رقة وتعطف . (7)