في فلسطين المحتلة وتتداخل بطريقة، تجعل من الصعب على الكثيرين فك طلاسمها وتحديد بوصلة تحركاتها، ففي الوقت الذي بدأت فيه سلطة عباس ما يسمى بمفاوضات الوضع النهائي مع الاحتلال الإسرائيلي، فإن الأخير سرع وبشدة من وتيرة هجماته على قطاع غزة، الخاضع لسيطرة حركة "حماس" منذ يونيو الماضي، ومع تصاعد تلك الهجمات وتحولها إلى حصار كامل يشمل إمدادات الوقود والكهرباء، فإن يد المساعدة، كما أصابع الاتهام، تتوجه دومًا إلى المحيط العربي، وماذا هو فاعل لكسر هذا الحصار، إذ أنه وعندما يتعلق الأمر بفلسطين فإن المسافة الفاصلة ما بين الصمت والتواطؤ تضيق لأقصى حد.
ولفهم خلفيات ودوافع التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، فإن الأمر يتطلب الإجابة على سؤالين متداخلين: الأول هو لماذا صعد الإسرائيليون عدوانهم لهذه الدرجة غير المسبوقة، أما الثاني: فهو لماذا يصمت العرب على هذا العدوان، ذلك أنه لولا هذا الصمت العربي لما رفعت إسرائيل سقف عدوانها، لدرجة تلاشى معها أي تفريق بين مدني أو مسلح.
الهروب للإمام
وللإجابة على السؤال الأول، فإنه لا بد من إلقاء نظرة سريعة على الداخل الإسرائيلي، حيث يترقب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت خلال أيام صدور التقرير النهائي للجنة "فينوجراد" المكلفة بالتحقيق في حرب لبنان صيف 2006، وهذا التقرير أدان بشدة في نسخته المبدئية أداء أولمرت ووزير دفاعه –حينذاك- عمير بيرتس، وحملهما جزءًا كبيرًا من المسئولية عن الفشل الذي منيت به إسرائيل خلال هذه الحرب، سواء على الصعيد العسكري أو فيما يتعلق بإدارة الجبهة الداخلية.
وإذا كان التقرير المبدئي قد أطاح بيرتس ورئيس أركان جيش الاحتلال دان حالوتس، فإن التسريبات تشير إلى احتواء التقرير النهائي على انتقادات عنيفة لأولمرت قد تجبره على الاستقالة من منصبه، وهو الأمر الذي يحاول أولمرت تجنبه عبر "الهروب إلى الأمام" بتصعيد الهجمات على قطاع غزة، كي ينفي عن نفسه اتهامات الضعف والفشل، والتي تكررت في تقرير فينوجراد المبدئي أكثر من 150 مرة، أي أن أولمرت يريد من خلال تجويع وتركيع غزة أن يقول للرأي العام الإسرائيلي إنه تعلم من درس حرب لبنان، وأنه إذا كان قد فشل في وقف صواريخ حزب الله اللبناني فإنه هذه المرة سوف يوقف صواريخ غزة مهما كانت التكلفة التي سيتكبدها الفلسطينيون.
باراك الطامح
هذا فيما يتعلق بأولمرت، أما شريكه في الحكم ووزير دفاعه إيهود باراك فتاريخه العسكري، والذي يضعه على رأس قائمة جنرالات الموت في إسرائيل، فمداد حروفه دماء آلاف الفلسطينيين. ولباراك من وراء التصعيد في غزة "مآرب عدة"، فهو يريد ضرب عدة عصافير بحجر واحد، الأول أن يقدم للإسرائيليين نموذجًا مختلفًا عن الأداء المتخبط للثنائي (أولمرت – بيرتس) خلال حرب لبنان، الأمر الذي يمهد له الطريق بقوة نحو رئاسة الحكومة بخاصة أنه يتوقع أن يجبر تقرير فينوجراد أولمرت على الاستقالة وبالتالي الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يدفع باراك للإسراع بإحراز أي نصر في غزة.
ومن ناحية ثانية، فإن باراك ومن خلال استخدام القبضة العسكرية بأعنف صورها يريد أن يمحو من ذاكرة الإسرائيليين فشله في قمع انتفاضة الأقصى، وهو ما دفع ثمنه غاليًا إثر هزيمته المدوية في انتخابات فبراير 2001 أمام آرئيل شارون، وفي هذه المرة يريد باراك أن يقول للإسرائيليين: إن شارون جنرالهم المفضل بات جزءًا من الماضي بعدما غيبه المرض، وأنه لم يعد لديهم إلا جنرال واحد قادر على جلب الأمن هو باراك.
تاريخ دموي
وحتى يستوعب البعض المدى الذي يمكن أن يذهب إليه إيهود باراك في حربه على غزة، فإن الأمر يحتاج إلى إلقاء نظرة سريعة على السجل الدموي لباراك مع الفلسطينيين، والذي بدأ مبكرًا منذ التحاقه بالخدمة في جيش الاحتلال مطلع الستينات من القرن الماضي، ثم قراره الانضمام للخدمة الدائمة عام 1965، حيث التحق بدورية هيئة الأركان، والتي تعد وحدة النخبة داخل الجيش الإسرائيلي، ولها تاريخ دموي مع الفلسطينيين.
ومع توالي باراك لرئاسة دورية هيئة الأركان أبريل 1971 بدأ نجمه يلمع، حيث تولت تلك الدورية إنهاء عملية "مطار اللد" عام 1972، ثم أعقب ذلك قيادة باراك ومشاركته في اغتيال ثلاثة من كبار قادة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وقد تخفى باراك في ملابس فتاة شقراء، وتم خلال العملية اغتيال كل من "محمد يوسف النجار" قائد منظمة "أيلول الأسود"، و"كمال عدوان" رئيس شعبة العمليات الخاصة في "فتح"، و"كمال ناصر" الناطق باسم الرئيس الراحل ياسر عرفات، ووصف باراك مشاعره إزاء ما لاحظه على الضحايا من ذهول وفزع ذاكرًا أنه لم يتردد في إطلاق النار عليهم واصفًا ما تناثر من دمائهم وأجزاء أجسامهم.
وخلال توليه قيادة القطاع الأوسط في جيش الاحتلال عام 1986، قام باراك بتشكيل فرق "المستعربين" المسئولة عن اغتيال مئات الفلسطينيين، وأطلق على تلك القوات في الضفة "دوفدفان" أما في غزة فسميت "شمشون"، كما أنه اعتمد خلال تعامله مع الانتفاضة سياسة "تكسير العظام" ضد أطفال الانتفاضة. وكان لا بد من مكافأة باراك على جهوده في قمع الانتفاضة، فعين عام 87 نائبًا لرئيس الأركان، ليصل في عام 92 إلى المنصب الذي طالما حلم به "رئاسة الأركان".ورغم تركه للجيش وتحوله للعمل السياسي، حافظ إيهود باراك على نهجه العنيف، حيث هدد في نوفمبر 2000 وخلال رئاسته للحكومة بأنه على استعداد لقتل 2000 فلسطيني دفعة واحدة، لو كان ذلك يضع حدًا للعنف ويوقف الانتفاضة، بل إنه رفع شعارًا خلال حملته الانتخابات عام 2000 يقول: "من قتل من العرب أكثر مني".
تقاطع فلسطيني
تلاقي أهداف أولمرت وباراك في تصعيد العدوان في غزة، يتقاطع معه على الساحة الفلسطينية جناح يؤيد -ولو بالصمت- قيام إسرائيل باقتلاع جذور حركة حماس في غزة، باعتبار أن ذلك هو الحل الوحيد لانتزاع القطاع من حماس، وأنه قد يكون الخيار الأقل تكلفة مقارنة بخيارات أخرى مثل قيام مقاتلي حركة فتح بمثل هذه الخطوة، هذا بافتراض امتلاكهم القدرة على ذلك.
وهذا الجناح يمثله رئيس الوزراء سلام فياض والفريق الملتف حوله إضافة إلى جناح لا يعرف مدى ثقله داخل حركة "فتح"، حيث يرى هؤلاء أن سياسة التصعيد المتدرج التي يتبعها باراك، وصولاً إلى الحصار الشامل، سوف تقود إلى حدوث حالة من الفوضى والاضطراب بين الفلسطينيين في غزة، مما يدفعهم إلى الإطاحة بحكومة حماس، أو على الأقل تسهل من مهمة جيش الاحتلال للقيام بذلك، وهكذا فإن الطرفين، باراك وفريق فياض، يعتقدان أن الاستمرار في تصعيد الحصار سوف يدفع حماس إلى الاستسلام أو يجعل الأمور في غزة تفلت من يديها.
أما فيما يتعلق بحركة "حماس" فإنها تبدو في موقف بالغ الصعوبة، فمنذ وصولها إلى الحكم قبل نحو عامين والخناق يضيق على الفلسطينيين شهرًا بعد آخر، ورغم أن دعوات الصمود والصبر لقيت استجابة شعبية واسعة حتى الآن، إلا أن انسداد كل آفاق الحل يجعل من الاستمرار في ذلك خيارًا صعبًا، خصوصًا وأن المحيط العربي لا يبدي أي تجاوب أو دعم لهذا الصمود. وهكذا فإن حماس لديها خياران لا ثالث لهما: الأول أن تستمر في الصمود وتراهن على أن يؤدي الضغط الشعبي والرسمي عربيًا ودوليًا لفك هذا الحصار أو أن تقوم مصر-من جانب واحد- بكسر الحصار لتوصيل المساعدات الإنسانية لغزة، على غرار ما حدث خلال أزمة الحجاج. أما الخيار الثاني فهو تصعيدي ويتمثل في ترك الزمام لحشود شعبية غاضبة كي تقتحم الحدود مع مصر لداخل سيناء وبالتالي يسقط الحصار.
خيارات العرب
وعلى الصعيد العربي، فإن الخيارات المتاحة أمام الدول العربية تكاد تنحصر في أمرين: الأول أن تلجأ ما تسمى بدول الاعتدال العربي والتي تمثلها مصر والأردن إضافة إلى الدول الخليجية إلى الولايات المتحدة كي تضغط على إسرائيل لفك الحصار، واحتمالات نجاح هذا الخيار تتوقف على حجم الضغط الذي سوف تمارسه القوى الشعبية على حكوماتها للقيام بهذه الخطوة، لأنه بدون هذا الضغط فإن الحكومات العربية سوف تكتفي بالشجب والإدانة.
أما الخيار الثاني، فيتمثل في قيام مصر بكسر الحصار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والوقود للقطاع، ولجوء مصر لهذا الخيار سوف يصبح أقرب للحدوث، بدرجة أو أخرى، كلما تصاعدت الأزمة الإنسانية في غزة، وذلك خشية قيام مئات الآلاف من المحاصرين في غزة باقتحام الحدود ودخول سيناء، وهو ما يعني موجة ثالثة من موجات اللجوء الفلسطيني، لكن مصر هذه المرة ليست في وضع اقتصاد أو سياسي يمكّنها من تحمل عبء وجود عشرات أو مئات الآلاف من اللاجئين قرب حدودها مع فلسطين. وبالتالي فإنه من المحتمل أن تلجأ القاهرة للحصول على دعم أو غطاء عربي، بشكل رسمي أو ضمني، يتيح لها كسر الحصار وتوصيل الإمدادات إلى المحاصرين في غزة.
وبشكل عام، فإن غزة التي تمنى إسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق أن يصحو من النوم يومًا ليجد البحر قد ابتلعها، لن تموت بسبب الحصار، لكنها سوف تتحول كلما طال هذا الحصار إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه الجميع، فخيارات الضعفاء دومًا أقل قوة لكنها أكثر إيلامًا.
لقد قالها ابو عمار رحمه الله يا جبل ما يهزك ريح.
والله اكبر .
ولفهم خلفيات ودوافع التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، فإن الأمر يتطلب الإجابة على سؤالين متداخلين: الأول هو لماذا صعد الإسرائيليون عدوانهم لهذه الدرجة غير المسبوقة، أما الثاني: فهو لماذا يصمت العرب على هذا العدوان، ذلك أنه لولا هذا الصمت العربي لما رفعت إسرائيل سقف عدوانها، لدرجة تلاشى معها أي تفريق بين مدني أو مسلح.
الهروب للإمام
وللإجابة على السؤال الأول، فإنه لا بد من إلقاء نظرة سريعة على الداخل الإسرائيلي، حيث يترقب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت خلال أيام صدور التقرير النهائي للجنة "فينوجراد" المكلفة بالتحقيق في حرب لبنان صيف 2006، وهذا التقرير أدان بشدة في نسخته المبدئية أداء أولمرت ووزير دفاعه –حينذاك- عمير بيرتس، وحملهما جزءًا كبيرًا من المسئولية عن الفشل الذي منيت به إسرائيل خلال هذه الحرب، سواء على الصعيد العسكري أو فيما يتعلق بإدارة الجبهة الداخلية.
وإذا كان التقرير المبدئي قد أطاح بيرتس ورئيس أركان جيش الاحتلال دان حالوتس، فإن التسريبات تشير إلى احتواء التقرير النهائي على انتقادات عنيفة لأولمرت قد تجبره على الاستقالة من منصبه، وهو الأمر الذي يحاول أولمرت تجنبه عبر "الهروب إلى الأمام" بتصعيد الهجمات على قطاع غزة، كي ينفي عن نفسه اتهامات الضعف والفشل، والتي تكررت في تقرير فينوجراد المبدئي أكثر من 150 مرة، أي أن أولمرت يريد من خلال تجويع وتركيع غزة أن يقول للرأي العام الإسرائيلي إنه تعلم من درس حرب لبنان، وأنه إذا كان قد فشل في وقف صواريخ حزب الله اللبناني فإنه هذه المرة سوف يوقف صواريخ غزة مهما كانت التكلفة التي سيتكبدها الفلسطينيون.
باراك الطامح
هذا فيما يتعلق بأولمرت، أما شريكه في الحكم ووزير دفاعه إيهود باراك فتاريخه العسكري، والذي يضعه على رأس قائمة جنرالات الموت في إسرائيل، فمداد حروفه دماء آلاف الفلسطينيين. ولباراك من وراء التصعيد في غزة "مآرب عدة"، فهو يريد ضرب عدة عصافير بحجر واحد، الأول أن يقدم للإسرائيليين نموذجًا مختلفًا عن الأداء المتخبط للثنائي (أولمرت – بيرتس) خلال حرب لبنان، الأمر الذي يمهد له الطريق بقوة نحو رئاسة الحكومة بخاصة أنه يتوقع أن يجبر تقرير فينوجراد أولمرت على الاستقالة وبالتالي الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يدفع باراك للإسراع بإحراز أي نصر في غزة.
ومن ناحية ثانية، فإن باراك ومن خلال استخدام القبضة العسكرية بأعنف صورها يريد أن يمحو من ذاكرة الإسرائيليين فشله في قمع انتفاضة الأقصى، وهو ما دفع ثمنه غاليًا إثر هزيمته المدوية في انتخابات فبراير 2001 أمام آرئيل شارون، وفي هذه المرة يريد باراك أن يقول للإسرائيليين: إن شارون جنرالهم المفضل بات جزءًا من الماضي بعدما غيبه المرض، وأنه لم يعد لديهم إلا جنرال واحد قادر على جلب الأمن هو باراك.
تاريخ دموي
وحتى يستوعب البعض المدى الذي يمكن أن يذهب إليه إيهود باراك في حربه على غزة، فإن الأمر يحتاج إلى إلقاء نظرة سريعة على السجل الدموي لباراك مع الفلسطينيين، والذي بدأ مبكرًا منذ التحاقه بالخدمة في جيش الاحتلال مطلع الستينات من القرن الماضي، ثم قراره الانضمام للخدمة الدائمة عام 1965، حيث التحق بدورية هيئة الأركان، والتي تعد وحدة النخبة داخل الجيش الإسرائيلي، ولها تاريخ دموي مع الفلسطينيين.
ومع توالي باراك لرئاسة دورية هيئة الأركان أبريل 1971 بدأ نجمه يلمع، حيث تولت تلك الدورية إنهاء عملية "مطار اللد" عام 1972، ثم أعقب ذلك قيادة باراك ومشاركته في اغتيال ثلاثة من كبار قادة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وقد تخفى باراك في ملابس فتاة شقراء، وتم خلال العملية اغتيال كل من "محمد يوسف النجار" قائد منظمة "أيلول الأسود"، و"كمال عدوان" رئيس شعبة العمليات الخاصة في "فتح"، و"كمال ناصر" الناطق باسم الرئيس الراحل ياسر عرفات، ووصف باراك مشاعره إزاء ما لاحظه على الضحايا من ذهول وفزع ذاكرًا أنه لم يتردد في إطلاق النار عليهم واصفًا ما تناثر من دمائهم وأجزاء أجسامهم.
وخلال توليه قيادة القطاع الأوسط في جيش الاحتلال عام 1986، قام باراك بتشكيل فرق "المستعربين" المسئولة عن اغتيال مئات الفلسطينيين، وأطلق على تلك القوات في الضفة "دوفدفان" أما في غزة فسميت "شمشون"، كما أنه اعتمد خلال تعامله مع الانتفاضة سياسة "تكسير العظام" ضد أطفال الانتفاضة. وكان لا بد من مكافأة باراك على جهوده في قمع الانتفاضة، فعين عام 87 نائبًا لرئيس الأركان، ليصل في عام 92 إلى المنصب الذي طالما حلم به "رئاسة الأركان".ورغم تركه للجيش وتحوله للعمل السياسي، حافظ إيهود باراك على نهجه العنيف، حيث هدد في نوفمبر 2000 وخلال رئاسته للحكومة بأنه على استعداد لقتل 2000 فلسطيني دفعة واحدة، لو كان ذلك يضع حدًا للعنف ويوقف الانتفاضة، بل إنه رفع شعارًا خلال حملته الانتخابات عام 2000 يقول: "من قتل من العرب أكثر مني".
تقاطع فلسطيني
تلاقي أهداف أولمرت وباراك في تصعيد العدوان في غزة، يتقاطع معه على الساحة الفلسطينية جناح يؤيد -ولو بالصمت- قيام إسرائيل باقتلاع جذور حركة حماس في غزة، باعتبار أن ذلك هو الحل الوحيد لانتزاع القطاع من حماس، وأنه قد يكون الخيار الأقل تكلفة مقارنة بخيارات أخرى مثل قيام مقاتلي حركة فتح بمثل هذه الخطوة، هذا بافتراض امتلاكهم القدرة على ذلك.
وهذا الجناح يمثله رئيس الوزراء سلام فياض والفريق الملتف حوله إضافة إلى جناح لا يعرف مدى ثقله داخل حركة "فتح"، حيث يرى هؤلاء أن سياسة التصعيد المتدرج التي يتبعها باراك، وصولاً إلى الحصار الشامل، سوف تقود إلى حدوث حالة من الفوضى والاضطراب بين الفلسطينيين في غزة، مما يدفعهم إلى الإطاحة بحكومة حماس، أو على الأقل تسهل من مهمة جيش الاحتلال للقيام بذلك، وهكذا فإن الطرفين، باراك وفريق فياض، يعتقدان أن الاستمرار في تصعيد الحصار سوف يدفع حماس إلى الاستسلام أو يجعل الأمور في غزة تفلت من يديها.
أما فيما يتعلق بحركة "حماس" فإنها تبدو في موقف بالغ الصعوبة، فمنذ وصولها إلى الحكم قبل نحو عامين والخناق يضيق على الفلسطينيين شهرًا بعد آخر، ورغم أن دعوات الصمود والصبر لقيت استجابة شعبية واسعة حتى الآن، إلا أن انسداد كل آفاق الحل يجعل من الاستمرار في ذلك خيارًا صعبًا، خصوصًا وأن المحيط العربي لا يبدي أي تجاوب أو دعم لهذا الصمود. وهكذا فإن حماس لديها خياران لا ثالث لهما: الأول أن تستمر في الصمود وتراهن على أن يؤدي الضغط الشعبي والرسمي عربيًا ودوليًا لفك هذا الحصار أو أن تقوم مصر-من جانب واحد- بكسر الحصار لتوصيل المساعدات الإنسانية لغزة، على غرار ما حدث خلال أزمة الحجاج. أما الخيار الثاني فهو تصعيدي ويتمثل في ترك الزمام لحشود شعبية غاضبة كي تقتحم الحدود مع مصر لداخل سيناء وبالتالي يسقط الحصار.
خيارات العرب
وعلى الصعيد العربي، فإن الخيارات المتاحة أمام الدول العربية تكاد تنحصر في أمرين: الأول أن تلجأ ما تسمى بدول الاعتدال العربي والتي تمثلها مصر والأردن إضافة إلى الدول الخليجية إلى الولايات المتحدة كي تضغط على إسرائيل لفك الحصار، واحتمالات نجاح هذا الخيار تتوقف على حجم الضغط الذي سوف تمارسه القوى الشعبية على حكوماتها للقيام بهذه الخطوة، لأنه بدون هذا الضغط فإن الحكومات العربية سوف تكتفي بالشجب والإدانة.
أما الخيار الثاني، فيتمثل في قيام مصر بكسر الحصار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والوقود للقطاع، ولجوء مصر لهذا الخيار سوف يصبح أقرب للحدوث، بدرجة أو أخرى، كلما تصاعدت الأزمة الإنسانية في غزة، وذلك خشية قيام مئات الآلاف من المحاصرين في غزة باقتحام الحدود ودخول سيناء، وهو ما يعني موجة ثالثة من موجات اللجوء الفلسطيني، لكن مصر هذه المرة ليست في وضع اقتصاد أو سياسي يمكّنها من تحمل عبء وجود عشرات أو مئات الآلاف من اللاجئين قرب حدودها مع فلسطين. وبالتالي فإنه من المحتمل أن تلجأ القاهرة للحصول على دعم أو غطاء عربي، بشكل رسمي أو ضمني، يتيح لها كسر الحصار وتوصيل الإمدادات إلى المحاصرين في غزة.
وبشكل عام، فإن غزة التي تمنى إسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق أن يصحو من النوم يومًا ليجد البحر قد ابتلعها، لن تموت بسبب الحصار، لكنها سوف تتحول كلما طال هذا الحصار إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه الجميع، فخيارات الضعفاء دومًا أقل قوة لكنها أكثر إيلامًا.
لقد قالها ابو عمار رحمه الله يا جبل ما يهزك ريح.
والله اكبر .